search
burger-bars
Share

مَن منّا لا يُحلِّق بخياله بعيداً عن الواقع الذي يعيشه، يفكّر ويَسرح في تطلُّعات مُستقبليّة.
الفقير يحلُم بالثّراء، والفاشل يتخيّل أنّه ناجح ويتفوّق على الكلّ، وهكذا. فإذا كنّا نحن الكبار ما نزال وسنبقى نحلُم، فكم بالأحرى الأطفال. إنّ هذه الأحلام تبدأ في فترة الطّفولة حين يكون الطِّفل خَصب الخيال. دعونا نطّلِع على بعض أحلام أطفالنا اليوم، ورُبّما نجد فيها بعضاً ممّا كنّا نحلُم به.
تقول لمى: "أتمنّى عندما أكبر أن أصبح معلّمة أُدرّس الأجيال القادمة وأُصبِح عضواً فعّالاً في المجتمع".
يَزيد يقول: "أُحبّ أن أكون طيّاراً أَحمي سماء بلادي".
أمّا عنود فتقول: "عندما أكبر سأُصبح طبيبة أطفال لكي أُعالج أطفال وطني".
إعلان تلفزيوني يقول: "دُمية رائعة اسمها "فُلّة"، فُلّة، حُلم كلّ فتاة عربيّة".
"أنا لا أريد أن أكون امرأة كبيرة، لا أريد ترك أخوتي وأخواتي وأمّي وأبي، لا أريد الخروج من مدرستي، أريد أن أُكمِل دراستي".
هذا بالتّأكيد لم يكُن حُلماً. بل صرخة دوّت في أرجاء المعمورة أطلقَتها "نجود"، الفتاة اليمنيّة ذات الأعوام العشرة، التي أرغَمها أهلها على الزّواج برَجُل يكبرها ثلاث مرّات. لم تحلُم نجود أبداً بالزّواج وهي في هذا العُمر، بل كانت تقول: "أُحبّ أن ألعب لعبة القطّ والفأر، ألواني المُفضَّلة الأحمر والأصفر، لا أعرف البحر وأحلُم أن أسبح فيه".
زواج الصّغيرات عادة شائعة ليس في اليمن فقط بل في كلّ بلداننا العربيّة، وتتعدّد الأسباب لإقدام الأهل على تزويج بناتهم وهُنّ في عمر 8 – 15 سنة. الأسباب في معظمها دينيّة أو أخلاقيّة أو اجتماعيّة أو اقتصاديّة، وفي حالات كثيرة وعند سؤال الأهل عن سبب تزويج بناتهم في عمر الطّفولة، يكون الجواب: "الدّين يُشرّع ذلك، وزواج البنت يحفظ شَرفها وشَرف عائلتها". وبهذا يكون الأهل قد جَمعوا بين الدّين والأخلاق والمجتمع كأسباب لتزويج بناتهم.
إذاً، ما هو العمر المناسب للزّواج؟ وهل ما يحدث في أيّامنا هذه صحيح أم خطأ؟
في اقتراع وُضِع لمدّة ثلاثة أسابيع في موقعنا "معرفة"، طرحنا السّؤال التّالي:
ما هو العمر المناسِب لزواج الفتيات في عالمنا العربي؟ وجاءت النّتائج كالتّالي:
77.8% اقتَرَعوا لعمر 21 سنة فما فوق.
16.2% اقترَعوا لعمر 15 – 20 سنة. 
6% اقترَعوا لعُمر 8 – 14 سنة.
وكان عدد المُقترِعين هو 302 شخصاً.

يرى علم الاجتماع أنّ العمر المناسب للزّواج نسبيّ، فهو يختلف من مجتمع لآخر ويخضع للمعايير الثّقافيّة والاجتماعيّة لهذا المجتمع. ويرى علماء الاجتماع أنّ عُمر 18 للفتاة و20 للفتى هو عُمر مقبول كحدّ أدنى للزّواج. فالبلوغ الجنسي (بين عُمر 8 - 13) لدى الطّفلة مثلاً، لا يعني أنّها أصبحت قادرة على الزّواج، لأنّ الزّواج لا يُقاس فقط بالنّضج الْجسماني أو الجنسي، لأنّ هناك مقاييس أُخرى للزّواج منها النّضج الاجتماعي والنّفسي والثّقافي.
فعِلم الاجتماع يشدّد على الخصائص الشّخصيّة للفرد، والتي لا بدّ مِن توافرها في الشّخص المُقدِم على الزّواج، ومنها: فَهم دور كلّ مِن الزّوج والزّوجة - القدرة على دخول شبكات اجتماعيّة جديدة كالعائلة والأقارب والأصحاب - القدرة على تحمّل المسؤوليّة، وغيرها.
أمّا من النّاحية الصّحيّة والطّبيّة فالأمر أعقد وأخطر. فرأي الأطبّاء يقول: "لا تكتمل عضلات الرّحم وميكانيكيّة الولادة في السّنّ المُبكّرة. فإذا حدث الإنجاب لفتاة غير مُكتمِلَة النّموّ والنّضج (مِن النّاحية النّفسيّة)، ذلك سيؤدّي لزيادة احتمالات حدوث إجهاض أو ولادة مُبكِّرة، وحدوث تسمّم حَمْل أو خَلل في نموّ الجنين وارتفاع ضغط الدّم". يرى الطّب أنّ أفضل سنّ لزواج الفتاة من 20 إلى 35، وهي سنّ الخُصوبة المُناسِبة من ناحية نموّ الأعضاء التناسليّة واستعدادها للحمل والولادة، ومن ناحية استعداد الرّحم واستيعابه للجنين.
سأعود قليلاً لِ "نجود" وقولها: "عندما أُرغِمتُ على الزّواج كنتُ خائفة للغاية". كيف لهذه الطِّفلة التي لا تزال بحاجة لعَطف أُمّها وحنانها وصدرها الدّافىء، والتي لا تزال بحاجة لتلعب مع أخواتها وصديقاتها، وبِحاجة لتضحك وتحلُم، كيف لها أن تصبح زوجة قادرة على تلبية غريزة وشهوة رَجُل لا يعرف من الزّواج غيرهما!. كيف لها أن تصبح أُمّاً بكلّ ما للكلمة من معنى. كيف تعطي لأولادها ما ليس لديها أو ما هي بحاجة إليه.  

ما هو الحلّ إذاً، وهل نجده في المسيحيّة؟.
بكلّ بساطة نعم. فالنّمط المسيحي للزّواج يتميّز عن غيره مِن أنماط الزّواج المختلفة والمتعدّدة باختلاف الحضارات والمجتمعات، الأزمنة والعصور وحتّى الأديان. إنّه اتّحاد بين الزّوجَين يقوم على الحُبّ وعلى الإرادة العاقلة الحرّة، وليس على الغريزة والشّهوة والقهر والغصب والتّهوّر، كما هو اتّحاد (تزاوج) الكائنات الحيّة الأُخرى. ليس الزّواج سجناً أو أَسْراً، بل حياة شركة وعطاء وتضحية ونُكران الذّات.
الزّواج هو نِظام إلهيّ رتّبه الله ليرتبط رَجُل وامرأة مدى الحياة، كما يَذكر الكتاب المقدّس في سفر التّكوين 2: 18 ، وفي السِّفر نفسه تكوين 2: 24 ، يتساوى الرَّجُل والمرأة ويكون كلّ واحد مكمِّلاً للآخَر. يوصي الرّبّ الزَّوجة بالخُضوع وليس الخُنوع، النّابِع مِن الحُبّ والتّقدير والإدراك أنّ زوجها يُحبّها، كما نقرأ في أفسس 5: 22 . كما يوصي الزّوج أن ينظر للمرأة على أنّها نِصفه الآخَر الذي يُكمِّله، وواجبه أن يحافِظ على هذا النِّصف كما يُحافِظ على نفْسه ويُحبّه كما يُحبّ نَفْسه، أفسس 5: 28 . إنّ سلطة الزّوج ليست سلطة جسديّة أو سِيادة إنسان على آخَر، بل هي سلطة منبعها إلهيّ مَبنيّة على التّضحية بالذّات وبَذْلِها حتّى الموت، أفسس 5: 25 . على هذا المستوى ينبغي لنا أن نعيش!!.
 فضِمن هذا الإطار المسيحي مِن الزّواج المُؤسَّس على الحُبّ والاختيار الحرّ والتّفاهم والشّراكة الحقيقيّة، يمكن لآلاف بل لملايين الفتيات الصّغيرات أن يَعشن طفولتهنّ دون التّعجيل عليهنّ بحَمل المسؤوليّة المُبكِر.

رسالتنا للأهل أوّلاً بأن يدركوا أنّ الزّواج هو مؤسّسة مبنيّة على الحُبّ والاحترام المُتبادَل والنّضوج، فلا يُقحِموا أطفالهم (فِتيةً وفتياتٍ على السّواء) في زواج مُبكِر قد يعود عليهم وعلى أطفالهم بالمشاكل والعُقَد النّفسيّة والاجتماعيّة. ورسالتنا موجّهة ثانياً لكُلّ طفلة بأن تعرف حقوقها جيّداً وتدافع عنها، بما فيها أن تعيش طفولتها بحقّ فتستمتع باللّعب وتُكمِل دراستها وتسرح بأحلامها، متخيِّلةً نفسها تلك المرأة التي تتمنّاها هي لا سواها، تلك المرأة التي تعيش وتتمتّع بإنسانيّتها كما رسمها الله لها.
هل تلقى قضيّة نجود صدىً وآذاناً مُصغية في بلداننا العربيّة؟ وهل تنجح في جعل الكثيرات مِن الفتيات العربيّات الصّغيرات (اللاتي ظُلِمنَ بتزويجهنّ قَسراً) بأن يتحدّينَ واقعهنّ ويُغيِّرنَ حياتهنّ نحو الحريّة؟. 
نجود المرأة الصّغيرة المُطلَّقة، حصلت على جائزة امرأة العام لسنة 2008. إذ أصبحت مِثالاً يُحتَذى للكثيرات مِن أترابِها اللواتي لَقِينَ مصيرها نفسه الذي كان مُظلِماً، فهي الآن تحلُم بأنْ تُصبح مُحامِية تُدافع عن حُقوق الفتيات الصّغيرات في إكمال الدّراسة واختيار شريك الحياة.

فهل ترضى لإبنتكَ أن يحصل لها ما حصل مع نجود، باسم الدِّين أو المجتمع؟
هل ترضينَ كأُمٍّ أن تكون إبنتكِ أُمّاً أو مطلَّقةً وهي بعدُ طفلةً باسم الحفاظ على أخلاقها؟
نتمنّى ممّن اقترعَ سابقاً (18 شخصاً) لصالِح زواج الفتيات في سِنّ 8 – 14 سنة أن يقولَ لنا رأيه ودفاعه عن زواج الصّغيرات.

موضوعات مشابهة:

 

FacebookXYouTubeInstagramPinterestTiktokThreads
دردشة
تم إغلاق هذه الدردشة

تحميل تطبيق "الإيمان والحياة"

Android
iPhone