search
burger-bars
Share

لا أجد عملصديقي مُحرّر باب مُشكلتك لها حلّ ...
أكتب لك بمُشكلتي مع أنّي أعرف مُسبقاً أنّك لن تقدر أن تحلّها لي!! إذاً لماذا أكتب؟!

لست أعلم بالتّحديد!، ربّما لأفضفض وأُخرج همومي، ربّما لأجد من يسمعني، أو من يهتمّ بي!. أو ربّما لأشغل وقت فراغي الهائل الذي يقتلني ولا أعرف كيف أملأه!، لدرجة أنّني كرهت الحياة نفسها ... ها نحن إذاً سيّدي نقترب رويداً رويداً من لُبّ المُشكلة، وهذا هو بيت القصيد!!!.
 أنا يا سيّدي، وبكلّ أسف "عاطل" نعم، عاطل عن العمل منذ تخرُّجي منذ سنوات ثلاث، لكنّها تبدو في عينيّ ـ لو صدّقتني ـ كثلاثة قرون!.
أنهيت دراستي الجامعيّة تحدوني الآمال العريضة بأن أُوفّق في العثور على عمل مُناسب يُدرّ عليّ دخلاً معقولاً يُساعدني على تكوين نفسي وبناء مُستقبلي مثل أيّ إنسان طبيعي، فهل تراني طمّاعاً أو مُتجاوزاً في حُلم كهذا؟!.
لم أكُن أحلم مثل الكثيرين الطامحين من حولي بفيلّا في أرقى الأحياء، وسيّارة فارهة آخر موديل، .... لكن هل تعلم صديقي، حتّى الأحلام البسيطة يستكثرها الزّمن علينا!.
طرقت كلّ الأبواب التي أتيحت لي، وذابت قدماي من اللّف على الشّركات والمكاتب، وذبلت عيناي من قراءة الوظائف الخالية في صفحات الجرائد اليوميّة المُختلفة!. سألت القريبين والبعيدين ولم أيأس في البداية على أمل أنّ الأمر أخيراً سيؤول إلى الخير والمصلحة. لكن كلّ ظُنوني ومُحاولاتي ذهبت أدراج الرّياح!!.
والآن، وكنتيجة طبيعيّة ومُتوقّعة لذلك، عرفت طريق المقاهي، بعد أن أعياني البحث بلا فائدة حتّى صرت أجوب الشّوارع بلا هدف ولا هُدى، فقط قتلاً للوقت وإهداراً له!.
وانتقلتُ لمرحلة أُخرى بعد أن عرفت شُرب الخمور وتعاطي المُخدّرات لعلّ هذا يُنسيني ما أنا فيه من ضياع، مع أنّي أعرف جيّداً أنّ هذا ليس هو طريقي ولا مُستقبلي، لكنّي وجدت نفسي مُنقاداً لذلك دون أدنى رغبة منّي!!.
أنت الآن أمام حطام إنسان لا يملك من أمر نفسه شيئاً!، مُسيَّر دون إرادة منه!. هل أنا الجاني أم المجني عليه من قِبَل المُجتمع؟ هل من أمل أو رجاء ....؟
لقد قُلت لك في بداية رسالتي أنّني واثق أنّ لا حلّ لديك ... أنا فقط أكتب ....
هل تعرف كيف سأُوقّع لك خطابي كي تعرفني وتُخاطبني؟ حالاً ستعرف!!
                                                                                                                    الإمضاء
                                                                                                       فاقد الحياة! الميّت وهو حيّ!!

صديقي العزيز،
هوّن عليك، لأنّ مُشكلتك هي مُشكلة شباب كثيرين مثلك!.
بل هي مُشكلة صارت عالميّة وعامّة لا تُفرّق بين دولة غنيّة وفقيرة، من جرّاء تلك الأزمة الاقتصاديّة التي تجتاح العالم بشكل خانق!.
لكنّي صديقي، ومع اعترافي بتعاطُفي مع مُشكلتك، أجدني أودُّ أن أُوجّه لك بعض النُّصح والتّحذير، وكذلك بعض اللّوم واتّهامك بالتّقصير، بالرّغم من كلّ ما أَطلتَ في وصفك له من كونك طرقت كلّ الأبواب باجتهاد مُتميّز، وأنا لا أريد أن أنفي ذلك، لكنّني أريد أن أنحو بالكلام نحو وجهة أُخرى أرجو أن تكون صادقاً مع نفسك وأنت تُفكّر فيها. قُل لي صديقي، ببساطة ووضوح وصراحة وأمانة وشفافيّة. إن كُنّا نعلم أنّ هذه هي مُشكلة الآلاف من البشر، هل تعتقد أنت، أنّ كلّ من قابَلَته هذه المُشكلة ـ التي أتّفق معك تماماً على صعوبتها ـ تصرّف تجاهها بمثل نوع التّصرُّف الذي به أنت قد تصرّفت؟ الإجابة بالطّبع لا، وإلّا كنّا وجدنا الشّوارع والطّرقات والحانات والملاهي وأماكن شُرب المُسكرات وتعاطي المُخدّرات لن تكفي بأي حال لاستيعاب الألوف من البشر؟ أَ ليس هذا منطقيّاً وصحيحاً؟!. ما أريد أن أوضّحه لك هنا ـ عزيزي ـ هو أنّ مُشكلات الإنسان مع تعدُّدها وتنوُّعها، لا تكون في المُشكلة بذاتها، بل تكون في أيّ ردّ فعل يتّخذه الإنسان تجاهها، فهل تُراك تُوافقني في ذلك؟.
إنّنا نعرف الكثيرين الذين أُوصِدَت الأبواب من دونهم، فلم ييأسوا ولم يفشلوا ولم يستسلموا لواقع مرير يُحاول أن يفرض نفسه فرضاً عليهم. بل هم وثقوا في الله وفي قُدراتهم وتحدُّوا الصّعوبات والأبواب المُغلقة، وكافحوا واستبسلوا ونجحوا أخيراً في معركة إثباتهم لذواتهم ووجدوا لأنفسهم طريقاً جديداً للحياة.
صديقي من قال إنّ طريق الحياة سهل ومُيسَّر؟ بل إنّه شاق وضيّق ومرير، لكنّنا رُغم ذلك لا بدّ أن نسير فيه ونحياه!!.
أمامي وأمامك دوماً اختيارين، أوّلهما أن نفشل ونستسلم فيضيع العمر وتضيع الأيّام، والآخَر وهو طريق الأقوياء لا الضّعفاء، أن نُجاهد ونُثابر ولا نكلّ ولا نفشل حتّى نجد لأرجُلنا طريقاً نسير فيه يرتقي بنا سُلّم النّجاح والفلاح. أيّ الطريقَين إذاً ستختار؟ هذا هو السّؤال.
 صديقي،
لم يعُد الوقت مُتأخّراً أبداً للبداية الجديدة، لكنّه يحتاج لقوّة وطاقة جديدتين، لذا أُنفُض عنك كلّ فشل وانهيار واستسلام ويأس، وقُم واثقاً في إلهك الصّالح وفي نفسك. الحياة مازالت أمامك. تعلّم مهارات جديدة، سلّح نفسك بدراسات في اللّغة والكمبيوتر وكلّ مجال آخر يُمكنك تعلُّمه. إرضى بأيّ عمل يأتيك واقبله حتّى لو كان غير مناسب ـ كبداية ـ بعدها ستكتسب خبرات أُخرى وتترقّى من فرصة لأُخرى. أو فكّر في مشروع صغير تبدأه أو تُشارك آخرين فيه حتّى تستقيم الأمور، صديقي، لكلّ مُجتهد نصيب، ورغُم أنّ طريق الاجتهاد مليء بالتّعب والكدّ والشّقاء، لكنّ مُكافآته رائعة ومضمونة وأنت جدير بها. والرّبّ يباركك.

 

FacebookXYouTubeInstagramPinterestTiktokThreads