search
burger-bars
Share

المخبأ السريركضت مسرعاً إلى الخزانة، وضعت الكرسي وصعدت عليه وبدأت أُحرّك يدي يميناً ويساراً أبحث عنه. فأنا وضعته بيدي هنا قبل فترة. خفت كثيراً ألّا أجده، فرفعت نفسي أكثر وأدخلت يدي أكثر إلى داخل الخزانة، إلى أن لمسَتْه أصابعي، فارتاحت أعصابي. لقد وجدته في مكانه كما وضعته قبل عدّة شهور. حمداً لله.

طبعاً أتكلّم عن دفتري الذي أكتب فيه بعض الأمور التي لا أحبّ أن يقرأها أحد، أسراري الخاصّة جدّاً التي لا أسمح لأحد بأن يطّلع عليها. ولأنّني أكتب هذه المدوّنة ومن المؤكّد أنّ زوجتي سوف تقرأها، فقد غيّرت المخبأ السّرّي لدفتري السّرّي.
أكتب الآن عن دفتري السّرّي ومخبأه السّرّي، لأنّني قرأت قبل أيّام عن رسالة حُبّ بقيتْ مخبّأة داخل كرسي حوالي 200 سنة. وهي موجّهة من فتاة إلى حبيبها المجهول.
على أثر هذه الحادثة أفكّر جدّياً بحرق هذا الدّفتر، كي لا يقع في يد أحد حتّى ولو بعد موتي. ليس لأنّ ما كتبته خطير، بل لأنّني لا أريد أن تُنشر الخصوصيّات التي احتفظت بها لفترة طويلة إلى أيّ أحد لا يجب أن يطّلع عليها. فهل تؤيّدني صديقي القارئ في مسألة حرق دفتري السّرّي؟
هناك شعوران في داخلي، واحد يمكن أن أُسمّيه "القلق" من أن تنتشر كلماتي دون أن أشعر في يوم من الأيّام على طريقة "ويكيليكس"، والشّعور الثّاني "حنين" لكلّ كلمة كُتبت فيه، لأنّ بعضها كُتب بدموع، وبعضها الآخر يُعبّر عن لحظات فرح. لذلك يصعب عليَّ أن أتّخذ هذا القرار الصّعب.
وأنا أفكّر في كلّ هذا، خطرت على رأسي فكرة أحببتها كثيراً وربّما ستساعدني أن أحزم أمري وأتّخذ قراري بخصوص مصير هذا الدّفتر. فقد قرأت في مزامير النّبي داود مرّةً عن الله الذي يعرف عنا كلّ شيء، والذي لا نستطيع أن نخبّىء عنه شيئاً. فمن جملة ما قاله داود: "عجيبة هي المعرفة، فوقي ارتفعت، لا أستطيعها. أين أذهب من روحك؟ ومن وجهك أين أهرب؟ إن صعدت إلى السّماوات فأنت هناك، وإن فرشت في الهاوية فها أنت. إن أخذتُ جناحَي الصّبح، وسكنت في أقاصي البحر، فهناك أيضاً تهديني يدك وتمسكني يمينك" (مزمور 139: 7 – 10).
فإن كان الله يعرف كلّ شيء عنّي، ولا أستطيع أن أخبّىء شيء عنه، فما كتبته في دفتري السّرّي بات معروفاً عند الله حتّى قبل أن أكتبه. فالأمر لم يعُد سرّي وحدي، لأنّ الله يعرف به، فليس هناك من أسرار على الله. وبحسب داود معرفة الله لكلّ شيء عنّي ليس كي يعاقبني إن لم يعجبه ما كتبت، أو كي يصرف وجهه عنّي إن كان ما كتبته لا يتوافق مع وصاياه، بل معرفته هي سبب تعزية وهداية لي. معرفة الله الكليّة تدعوني لأن أتوجّه إليه كلّ يوم بكلّ ما لا أستطيع أن أقوله لأحد، لأنّني أثق بأنّه وحده القادر على فهمي وعلى مساعدتي والإمساك بيدي ليهديني إلى الطّريق الأفضل لي.
فما هو رأيك، هل أحتفظ بدفتري أم أحرقه؟؟؟ ...

مدوّنات - blogs