"يا الله ما الْنا غيرك يا الله". هذا دعاءٌ سمعته منذ عدّة شهور، لا من رَجُلِ دِين ولا في دارٍ للعبادة بل من حناجر أبطال الثّورة السّوريّة، والتي ما تزال تصدح به. لقد لَفَتني بشدّة هذا الدُّعاء وأثّر في نفسي وأثار عواطفي، لدرجة أنّني يوميّاً أردّد هذا الدُّعاء إن لم يكُن بصوتٍ عالٍ، ففي قلبي وبرفقة أفراد عائلتي أحياناً.
بعض مسيحيي سوريا:
وحرّضني هذا الدّعاء أيضاً لأُفكّر بجزء من المسيحيّين، وربّما يكونون أكثريّة، الذين ما تردّدوا منذ بدء ربيع الثّورات العربيّة يعبّرون عن مخاوفهم بل رعبهم من نتائجها التّغييريّة. إنّ هؤلاء المسيحيّين وفي مقدّمتهم وعلى رأسهم بعض رجال الدِّين - ليس كلّهم وإن لم نسمع (بشكل علني) من هذه البقيّة رأيها المُعاكس الموجود حتماً - قد تحوّلوا من الاحتماء بالخالق إلى الحماية بالمخلوق. فأصبح الرّئيس (أو الحاكم أو الملك) ومعه نظامه وجيشه وأجهزة أمنه، هم الضّمانة الوحيدة والمِظلَّة الواحدة لبقاء المسيحيّين. بل الأعجب والأغرب من ذلك، أنّ هؤلاء مجتمعين أو على الأقلّ الرّئيس هو سبب بقاء واستمرار المسيحيّين لحدّ هذا اليوم، بل إنّ وجود المسيحيّين مرتبط بوجود الرئيس من عدمه. إنّها لكذبة كبيرة وخدعة شيطانيّة وقع ضحيّتها هؤلاء المسيحيّون، ومخترعها هذا النّظام وذلك الرّئيس ليبرّر استمراره وديمومته. وسار المسيحيّيون بهذا النّهج لدرجة أنّهم أصبحوا يؤيّدون توارث الحكم في الجمهوريّات كي يضمنوا استمرار حامِيهم وسبب بقائهم. وفي حال كان لك موقفاً غير ذلك، سرعان ما يضربون لك مثلاً بما حدث للمسيحيّين في العراق بعد "صدّام حسين"، أو لِما يحدث للمسيحيّين في مصر بعد "حسني مبارك"، أو من سيكون وكيف سيكون البديل في .... أو في ....
حماية مسيحيي سوريا:
فليتذكّر هؤلاء المسيحيّون أوّلاً وكلّ من يتبنّى هذا الفِكر المُضِلّ ثانياً، أنّ الإيمان المسيحي منذ أكثر من أَلفَي عام مازال مُتأصِّلاً وثابتاً وراسخاً، بل زاد وتوسّع وانتشر، برغم كلّ الاضطهادات والمجازر والإبادات والاتّهامات والشّكوك التي تعرّض ولا يزال وسيبقى يتعرّض لها، حتّى مجيء يسوع المسيح ثانيةً، الذي سيُثبت عندها أنّه هو الذي حَما هذا الإيمان ورعاه ليبقى ويستمرّ حتى مجيئه. وليعلموا أنّ الله الحامي عندما يسمح أن يتعرّض أبناءه أو أتباعه للاضطهاد أو الصّعوبات، فلكي يختبر إيمانهم عندما يضعف، أو ليؤدّبهم عندما يُخطئون في حقّه، أو ليُرجعهم إليه عندما يتحوّلون عنه إلى آخَر. ولنتذكّر جميعاً أنّ الإيمان المسيحي انتشر وهو لا يزال في بدايته لأنّه تعرّض للاضطهاد والمُطارَدة. فلا رئيس مهما بلغ جبروته، ولا جيش مهما بلغت قوته، ولا نظام مهما كانت سطوته، ولا حزب مهما علا شأنه، ولا طائفة ولا دِين، له أيّ فضل في استمرار الإيمان المسيحي أو المسيحيّين. وعلينا ألاّ ننسى أنّ بقاء الحكّام أو زوالهم يكون بسَماح من الله وبمشيئته وبتوقيته، ولا ولن يستطيع شيء أو أحد أن يقف في وجه التّغيير عندما يسمح به الرّبّ، وما علينا إلّا القبول والتّسليم والإيمان أنّه للأفضل حتّى لو كان عكس ما نتمنّى أو نريد.
فليُرنِّم المسيحيّون جميعاً بجرأة وبصوتٍ عالٍ، بقوّة وثقة وإيمان، ومهما كانت الظّروف: "يا الله ما الْنا غيرك يا الله".
شكراً لثورة الحريّة والكرامة السّوريّة، ولتبقى متمسِّكة بهذا الدّعاء.