هل تصدّق أنّ هذه الكلمات قالها حاكمٌ حَكَم شعبه أكثر من أربعين عاماً؟ من أنتم؟
سؤال سأله العقيد القذّافي أكثر من مرّة وهو واقف مندهش من هؤلاء النّاس الذين تجرّأوا وتمرّدوا على شخصه، ورفعوا أصواتهم وقالوا كفى لم نعُد نريد خوفاً ولا استعباداً ولا قهراً. سؤال هو على الأغلب سؤال استنكاري، لأنّه وجد أمامه أناساً جدداً مختلفين، فبعد أن عهد فيهم الاستكانة والخوف والخنوع والذّلّ، صار يرى الآن الإصرار والعزيمة.
في الواقع هذه العبارة تعني أنّ هذا الشّعب لم يعُد كما كان، أي لم يعُد كما عَرِفه القذافي من قبل. فما أسباب هذا التّغيير يا ترى؟ هل هو النِّير الشّديد والضّغط الذي جعل الشّعب يصرخ لأوّل مرّة في حياته منذ الاستعمار الإيطالي؟ أَم وجود عوامل خارجيّة مُحفِّزة دفعت الشّعب للوصول لهذا الأمر؟ على أيّ حال لقد جاء الوقت وخرج من فم العقيد هذا السّؤال: من أنتم؟. هو سؤال يستحقّ التّفكير، وعندما توقّفت لأحاول أن أعرف الإجابة كان السّؤال الذي فرض نفسه عليّ هو: من أنتم في عيون من؟ لأنّ هذا يساعد كثيراً على الإجابة التي سأحاول أن أُلخِّصها قدر الإمكان.
من أنتم في عيون القذّافي:
في الواقع لقد كانت الرّؤيا مختلفة لدى القذّافي، فقد كان دائماً يرى جمهور العبيد واقفين أمامه يأتمرون بأمره وكان هو المُهَيمن. كان يحتقر شعبه ويراهم جُرذاناً، وعندما تمرّدوا أَمعَنَ في احتقاره لهم وقرّر أنّ هؤلاء الجرذان لا بدّ وأن ينهزموا. ولكن من الواضح أنّ رؤيته هذه غير حقيقيّة، فهم ليسوا جرذاناً، بل هم بشرٌ استطاعوا في فترة من فترات حياتهم أن يوقذوا مارداً ضخماً داخلهم، ليُثبتوا أنّ للإنسان قوّة لا يُستَهان بها إذا أراد تفعيلها بصورة صحيحة ليصبح الأمر مختلفاً.
كان يراهم أغبياء، لذلك سلّط الإعلام عليهم ليُعطيهم تبريرات لا معنى لها لِما كان يفعله، ويأمرهم أوامر غريبة الشّكل والمضمون ويُكلِّف الإعلام بشرح معانيها بصورة غريبة.
كان يستهين بالشّعب لدرجة أنّه أخرَج معاني لمصطلحات كيفما اتّفق، وهو متأكِّد أنّه لن يراجعه أحد فيها، ولكنّه صار معهم أضحوكة بعد أن اختفى الخوف وقُتِل في معركة البقاء.
من أنتم في عيون أنفسكم:
وهذا مهمّ جدّاً، فكثيرون يشعرون بالدّونيّة والاحتقار لأنفسهم، ربّما من كثرة ما وجدوا من معاملة تعطي هذا الانطباع فيُصابون بصِغَر النّفْس. ولكن من المهم لكي تتغيّر حياتهم أن يعرفوا أنفسهم بصورة صحيحة. فالإنسان كائن متميّز، خلاق ومبتكر، ولكن عليه أن يعمل على تطوير نفسه بصورة حقيقيّة، وليتحقّق ذلك دعونا نرى من نحن في عيون خالقنا الكريم.
من أنتم في عيون الله:
في الواقع لقد خلق الله الإنسان على صورته وأبدع في تكوينه، كما يعلّمنا الكتاب المقدّس، إذ نحن لدينا نسمة من نسمات القدير ومن مواهبه التي تعطينا الإبداع والقدرة على التّفكير، كلّ هذا جميل، ولكن هذه الصّورة تشوّهت بسبب عصيان الجنس البشري وزيغانه وراء كبريائه ونزواته، ممّا دفع كل إنسان ليدوس على الآخَر، فتشوّهت الخليقة وتشوّه الإنسان الجميل، ولا يوجد حلّ في الرّجوع إلى الصّورة الأولى إلاّ من خلال عمل الله، فإذا أردت أن تكون صحيحاً فالموضوع لا يرتبط بإصلاحات بشريّة ولكن بإصلاح إلهيّ، حتّى نستطيع أن نتقدّم للأمام.
ذهب القذّافي، ولكن يمكن أن يعود غيره وتكون له طموحات مثل القذّافي، ولكن الشّعب الليبي يريد بناء نفسه، وهذا يتمّ من خلال إصلاح داخلي على مستوى الفرد، وإذا تمّ الإصلاح الدّاخلي سيتمّ الإصلاح الاجتماعي، لأنّ الأهداف ستتوافق مع مصالح البلاد وتنسجم معها تماماً كما هي متصالحة مع الله ومنسجمة معه.
أنتم في عيون الله تاج الخليقة وإبداع الله، فعيشوا كما يريدكم الله أن تعيشوا، حينئذ ستستمتعون بمعرفة من أنتم حقّاً، فهل تجرّبوا؟!