البعض كان يريد إقناعي بأنّ هناك إله غير مرئي يحبّني، ترك سماءه من زمان بعيد وأخذ شكل
إنسانيّتي، لَبِس جسد بشريّتي، صُلِب ومات وقام وكلّ هذا فعله لأجلي، لماذا؟ لأنَّه يحبّني.
البعض الآخَر كان يهتف ويقول هذا كُفر وحرام، فمن أنت أيّها الإنسان كي ينزل الله بعظمته إليك ويعيش على الأرض لأجلك؟
غيرهم كان يصرّ على أنّ ما حدث هو بالفعل حقيقة تاريخيّة موثّقة بالمخطوطات وبكُتُب عادت إلى القرائن والتّفاسير واللّغات الأصليّة، وأُخرى إلى النّقد والتّرجمات.
أغلبها كان ينادي بأنّ هذا الأمر حقيقة عليّ أن أقبلها دون تفكير و.... ومع ذلك، من قال بأنّ الله يحبّني؟ وماذا يعنيني إن جاء من سنين ومات وقام لأجلي؟ ماذا يعنيني أن يترك مجده ويتجسّد ويعيش هنا كإنسان ثمّ يذهب؟
من قال بأنّه يحبّني؟
أ هكذا يحبّني؟ وأنا عجوز قاربت أيّامي على الانتهاء ولم أعرف يوماً معنى النّوم سوى على رصيف يشاركني به كلب شارد ينام بجواري - تدفّئني رفقته - وذُباب قذر يغطّيني!.
أ يحبّني وأنا طفل لم يعرف اسمه يوماً؟ لأنّ الجميع يناديني برقم (15) فأنا رقم بين إخوتي الأرقام، في كلّ ليلة أنتظر أن يأتي دوري كي يصِلَني فُتات طعام ساقط من موائد أربابي، من نخدمهم ونعيش لأجل راحتهم!.
أ تقولين لي بأنّه يحبّني وقد عشت لسنين زوجة مخلصة لزوج خائن، أتت مكافأتي بعدها فيروساً أكل جسدي وجعلني هزيلة منبوذة وكأنّي لعنة يخشى الجميع الاقتراب منها؟
تعالي أيّتها الكتب إلى شوارعي وهي ستخبركِ كم الله يحبّني، شوارعي المليئة بالمجاعات والأوبئة والأمراض والأطفال اليتامى وقصص الألم التي يعيشها من يحاول احترام القيم والمبادئ العليا، وقصص الرّفاهية التي يرويها ويخوضها الأشرار الفاسدون.
هل إلى الآن ما تزالين مُصرّة على أن تقولي لي بأنّه يحبّني وأنّه تجسّد منذ زمن بعيد ومات لأجلي ثمّ قام وصعد وتركني هنا.
ما الذي يقدّمه لي ذاك الحبّ العتيق الذي انتهى بصعوده؟
قال بأنّه قد أعلن محبّته للبشريّة بتجسّده ومجيئه إلى هذه الأرض وقبوله أن يحيا حياته كسائر البشر، قَبِلَ أن يولد في أسوأ الأماكن ليشعر بأولئك الصّغار المُشرّدين، اختبر العيش فقيراً عاملاً متواضعاً، اختبر الألم والوحدة والخيانة والتّرْك من أعزّ أحبائه، اختبر الاضطهاد والخوف والحزن وتخلّى عن كلّ شيء حتّى نفسه كي تستعيد البشريّة حياتها ومكانتها الحقيقيّة.
لذلك لن أشعر أو أعرف - بعد أن رحل - بأنّه يحبّني، إلّا إن أخرجتِ أيّتها الكتب كلماتك وجسّدتِها في قلوب أولئك المدّعين بأنّهم أتباع "المسيح"، الله المُتجسّد المُحبّ.
أنا أحتاج لمن يطعمني ويشعر معي ويعترف بجوعي وعَوَزي، لا يمكن أن أقبل بأنّه يحبّني ما لم يفتح أولئك بيوتهم وأحضانهم للمنبوذين المتروكين المنتظرين ساعة سكونهم.
لن أشعر ولن أقبل ولن أدرك، لن ولن ولن. هذا ما كنت أُحدِّث نفسي به طوال الوقت منتظراً من أتباع المسيح، التّحرّك لاحتضاني، لكنّي دُهشت حين رأيت أغلبهم ضعفاء منكسرين مثلي، فعرفت حينها بأنّ الحاجة إلى - واحد - إلى المسيح ذاته، لأنّه من يرى الاحتياج ويهرع لإغاثتي.
ذات يوم مشيت على شاطئ البحر، فجاء إليّ وأمسك بيدي وقادني في طريق سهلة وخصبة قائلاً لي: أ ترى تلك الرِّمال يا بنيّ، إنّ أفكاري الخيّرة لك أكثر من أن تُحصى أو تُعَدّ، وحبّي لك أكثر من رمل هذا البحر.
حينها فقط أدركت صديقي بأنّه مهما كانت عقائدك ومبادئك وأفكارك، مهما كانت حالتك وشكل حياتك، مهما كانت تساؤلاتك والثّورة الكامنة في أعماقك ... فهو يحبّك.
لأنه خلقك وأبدع صنعك، وهو خلق الكون بكلّ ما فيه كي تتمتّع به، وتقطف عبر علاقة حميمة معه من خلال مخافته، ثمر حبّه لك.
اليوم تنازلت عن ثورتي ورميت عنادي وراء ظهري، وقرّرت ألّا آخذ الحبّ الخالص إلّا منه، وليس هذا فقط، بل وأوزّعه عليك وعلى كلّ المحيطين بي، فقد خلقني لأجلك وخلقك لأجلي كي أخبرك وتخبرني ونخبر الإنسانيّة أنّه أحبّنا ويحبّنا.
لكن، حتّى ولو ثارت ذاتك كما حدث معي، وإن صرخ العالم أجمع في وجهك بأنّك مرفوض وغير محبوب، لو أعلن لك وصرخ في وجهك واقعك الأليم بأنّك وحيد، تذكّر بأنّه يحبّك، وإن قست الحياة عليك وسلبتك راحتك وطمأنينتك، تذكّر بأنّ الله يحبّك.
انظر إلى الخليقة من حولك، ستدرك بأنّه يحبّك، عَلّي صوتك منادياً بكلّ ما أوتيت من قوّة وصدق وستسمع نبض قلبه يعود إليك صدىً ملآن بالحبّ.
ابحث في داخلك ستجده ينتظرك ويتلهّف للجلوس معك، ويسعى ليُريك الحياة الحقيقيّة التي تستحقّ أن تحياها ... لماذا؟
لأنّه بكل بساطة، يحبّك.
مقال لمرام طحان
إذا كنت تريد أن تتعرّف أكثر على محبّة الله لك يمكنك التّواصل معنا (من هنا)
موضوعات مشابهة: