مكان وقوع قصّة راعوث وبوعز المثيرة إنّما هو المدينة التّاريخيّة بيت لحم الواقعة ستّة أميال جنوبي أورشليم. وكانت هذه المدينة مسقط رأس حفيدهما الملك داود الذي كان يرعى غنمه على التّلال المحيطة بها. ومن عشيرة داود وُلِد يسوع المسيح منذ أكثر من ألفي سنة وفقاً لنبوءة النّبي ميخا (ميخا 5: 2).
رواية نُعمي
لا يكفي الكلام لوصف المرارة التي شعرت بها عند وصولي إلى بيت لحم بعد سنوات النّفي، فلم أكد أستطيع تحمّل الآلام التي شعرت بها بعد موت ابنيّ وزوجي أليمالك. أمّا الدّافع لرجوعنا إلى بيت لحم فاللبحث عن اللّحم والخبز نظراً لخطورة المجاعة في بلدان المنطقة. وكانت راعوث زوجة إبني وحدها تسلّيني رغم أنّها امرأة أجنبيّة من بلاد موآب. وأصرّت على أن تصاحبني إلى بيتي ببيت لحم، فقد بدأت بمرور السّنين تحبّ الإله الوحيد الحقّ وتخدمه، وكان هذا سبب الرّابط القوي القائم بيننا.
وحتّى اسمي نُعمي - «المتنعّمة» - لم يناسبني بعد هذه المأساة، فقد أصبحت حياتي مليئة يأساً ووجعاً. لذلك أمرت نساء المدينة: «لا تدعوني نُعمي!، ادعوني مُرّة، لأنّ الله القدير قد مرّر حياتي. لقد خرجت ممتلئة وأرجعني الرّبّ فارغة اليدين.» وعند وصولنا إلى بيت لحم قد حان وقت الحصاد.
ولا أعلم ماذا كنت لأفعل لو لم تساعدني راعوث، فقد عملتْ بلا كلل في الحقول، تلتقط السّنابل المتبّقيّة أينما وجدتها. وفي نهاية اليوم الأوّل رجعتْ سعيدة تحمل إيفة كاملة شعيراً. وكان قد اتّفق أنّها قد عملت دون علمها في حقول أحد أقربائنا، رَجُل فاضل لطيف اسمه بوعز. وقد أحسن إليها وحماها من الظّلم ودعاها لتناول الغداء مع الحصّادين الآخرين. واطمأنّت بأنّه لن يصيبها شرّ تحت رعاية رَجُل محترم مثله يحبّ الله سبحانه ويهتمّ بالنّاس. وعندما نظرتُ إلى أحوال حبيبتي راعوث والظّروف القاسية التي عانتها، أتتني فكرة عجيبة. تُقتَ إلى أن تجد سعادة جديدة في الزّواج وأنْ تلد أبناء. فقد أصابها الأسى واليأس عند موت ابني الذي تركها أرملة صغيرة السّنّ دون أبناء يخلّدون اسم العائلة.
ولكن إذا تزوّجت راعوث ببوعز ... صحيح أنّه أكبر منها سنّاً بعدًة سنوات، لكنّه رَجُل متميّز الأخلاق، وكان قد أحسن إليها. وعلى أيّ حال، يستطيع باعتباره أقرب الأقرباء وغير متزوّج أن يتولّى مسؤوليّة الزّواج بها لتوريد وريثاً للأسرة.
وانتظرت لحظة ملائمة لأُخبر راعوث بخطّتي، ودعوتها إلى أن تتحلّى وترتدي أجمل ثيابها وتتطيّب. ثمّ في نهاية اليوم اقترحت عليها أن تبحث عن المكان في البيدر الذي كان بوعز يرتاح به وأن تقترب منه بهدوء.
وكنت طبعاً واعية بأنّ مثل هذا الرّجُل الفاضل سوف لن يستغلّ الفرصة للإساءة إليها، بل سوف يدرك ما يُتوَقّع منه. والحمد لله، حدث ما حدث كما أردته. لقد أخبر بوعز راعوث بوجود قريب أقرب منه، له الحقّ في الزّواج بها، لكن إذا رفض الرَّجُل هذا، كان بوعز نفسه مستعدّاً لأن يتكلّف بدور قريبها الولي وأن يتزوّج بها. وعُربوناً على صدق وعده كال لها ستّة أكيال من الشّعير في ردائها وأعادها إليّ.
انتظرت رجوع راعوث انتظاراً شديداً، وحالما رأيت وجهها، عرفت أنّ الأمور كلّها على ما يرام. ولم يُضِع بوعز وقتاً، بل دعا قريب راعوث الآخر وشيوخ المدينة إلى اجتماع. وبارك كلّهم الزّواج بفرح شديد، أمّا أنا، فقلبي كاد يثب سعادة يوم عرسهما. وكان هذا فعلاً زواجاً عقد في السّماوات.
وهكذا أمسى بيت الحزن مأوى للأمل والحياة الجديدة. وبعد مدّة قصيرة حَمَلت راعوث طفلاً، وكم فرحت حينما وضعت حفيدي في حضني!، وكان عوبيد، ابن راعوث وبوعز، هبة عظيمة من الله سبحانه. وأدركت أنّه تعالى القدير له خطّة خاصّة بحياته أيضاً، كما له خطّة لجميعنا إذا وثِقنا بلطفه ومحبّته.
للتّأمّل في نسب يسوع المسيح نقرأ
«وبوعز أنجب عوبيد من راعوث. وعوبيد أنجب يسّى. ويسّى أنجب داود الملك ...» الإنجيل كما دوّنه متّى، 1: 5
بفضل محبّتها وإخلاصها كانت راعوث مستعدّة ليستخدمها الرّبّ في خطّته العظيمة المقصود بها فداؤنا.
هل ترينَ أنّ الرّبّ له خطّة خاصّة لحياتك؟
هل هناك أشخاص أو أمور قد تحول بينك وبين فرح تطبيق هذه الخطّة العظيمة؟ لمن تنتسبين؟
هل أنت متيقّنة أنّ الله سبحانه يحبّك محبّة أبديّة؟ وأنّ هذه محبّة لن تتغيّر أبداً؟
إنّ الله خالقنا يحبّنا، لذلك ينبغي أن نقبل أنفسنا. كيف يمكن أن تقبلينَ محبّة الله تجاهك في حياتك اليوميّة؟ لقد أظهر الله محبّته لنا، عندما مات يسوع المسيح على الصّليب ليحمل العقوبة التي نستحقّها نحن بسبب خطايانا. تأمّلي محبّة الله لك!، اطلبي منه تعالى الآن أن يبيّن لك هذه المحبّة بطريقة ملموسة واضحة.