قال أحدهم: "اختر الرّفيق قبل الطّريق". وقال آخر: "اختر الجار قبل الدّار". نعم، فالرِّفقة في الطّريق قد
تُسهّل الرّحلة علينا، أو قد تُصعّبها، وقد تحلو لنا أو قد تُسبّب لنا كَدَراً، وهذا كلّهُ يتوقّف على الصّديق أو الصّاحب الذي سنختاره ليسير معنا طريق الحياة بمخاطره وتحدّياته. وممّا لاشكّ فيه ـ وممّا يزيد الأمر صعوبة أيضاً ـ أنّ الحياة بدون أصدقاء هي حياة جافّة وصعبة وقاسية وباردة، لأنّ الإنسان مخلوق ككائن اجتماعي بطبعه.
لكنّهم يقولون ـ بكلّ أسف ـ إنّ الخِلّ أو الصّديق الوفي يُعتبر وجوده أو العثور عليه أمراً من المستحيلات الأربعة في هذه الدُّنيا!!!. فهل تُرى أمراً كهذا يُعَدُّ حقّاً بمثل هذه الصّعوبة؟ هل هناك من أمل للإنسان أن ينجح في إقامة علاقات إيجابيّة وبنّاءة مع أصدقاء يساعدونه عند اشتداد بريّة الحياة عليه، أو عندما تسود أيامه البرودة والظُّلمة؟ ومن أجل غدٍ أفضل أملاً ورجاءً وإشراقاً؟
لكي يكون بمقدورك عزيزي القارىء أن تعرف كيف يمكنك أن تكسب الأصدقاء، فإنّنا نحتاج أن نضع معاً قائمة بالمواصفات أو المؤهّلات التي يتمنّى الإنسان أن يجدها في صديقه، ومن ثمّ يمكنك أن تسعى لاكتساب هذه الصّفات أو المؤهّلات، فيكون بمقدورك حينئذ أن تكتسب القُدرة على صنع صداقات إيجابيّة ونافعة.
(بعض) مواصفات الصّديق الجيّد:
إنّ الصّديق الجيّد هو:
ـ الشّخص الذي تجد نفسك ترتاح في الحديث معه، وتجد منه كلّ اهتمام وتعاطف وتقدير.
ـ الشّخص الذي يبذل ويُعطي نفسه لأجل الآخر (صديقه).
ـ الشّخص الذي يتمتّع بسلام وهدوء واستقرار نفسيّ وعاطفيّ، يكون مؤهّلاً لأن يساعد ويتقبَّل الآخرين ويساعدهم في ظروفهم الصّعبة بصَدرٍ رحب وبروح طيّبة.
ـ شخص أمين، مُخلص، صادق وواضح مع نفسه ومع الآخرين.
ـ كاتم أسرار، محلّ ثقة، يمكنك أن تأتمنه على سرّك فلا يبوح به.
ـ تجده يقف إلى جوارك ويُسرع إليك في أزماتك، وفي ظروفك الصّعبة يهبُّ لنجدتك، حتّى دون أن تطلب أنت ذلك منه.
كيف يمكنك أن تصنع صداقات جيّدة؟
إنّ أمراً كهذا ليس بالأمر السّهل تماماً، لكنّه على أيّ حال، أمر يُمكن تعلُّمه واكتساب مهاراته بالتّدريب والتّصميم والتّعلُّم والمُمارسة. سأقدّم لك فيما يلي بعض المبادىء العامّة التي يمكنها أن تُساعدك على إقامة علاقات صداقة مُتميّزة:
• إكسَبْ نفسك أوّلاً!
ربّما تبدو عبارة كهذه غريبة بالنّسبة لك، لكن ما أعنيه هنا هو أنّ فاقد الشّيء لا يعطيه، بمعنى أنّك لن تستطيع أن تُصادق شخصاً آخر إن لم تكن أنت أصلاً صديق نفسك ومُتصالحاً معها. وبكلمات أخرى أقول أنّك لابدّ أن تكون مُتمتّعاً بالرّاحة والسّلام والسّكينة، تحبّ ذاتك وتقدِّرها، ليس باستعلاء أو تكبّر، بل بهدوء وصفاء واتّضاع. وهذه الأمور لا تحدث إلّا بوجود الله في القلب، فهو وحده الذي يمكن أن يُخلّص حياة الإنسان من كلّ شرّ وخصام وعداوة، سواء مع نفسه أو مع الآخرين.
• إنزع القذى من عينك ودع أمر نزع الخشبة (في عين الآخر) لصاحبها، أو عندما يطلب منك هو أن تساعده في انتزاعها!
وأنا أستعير هذا المَثَل ممّا كان السّيّد المسيح قد قدّمه من تعاليم سامية ورائعة، من أجل إسعاد الفرد والمُجتمع. لقد علّم المسيح ألّا ندين بعضنا بعضاً، بل أن نُدرك أنّه يمكن أن يكون في الآخر عيبٌ ما، لكن ربّما يكون عيبي أنا أكبر وأعظم!، فيكون لزاماً عليّ حينئذ بدلاً من أن أدين الآخر على عيبه، أسعى أوّلاً لأنزع ما بي أنا من أخطاء، بعدها قد يجوز لي ـ بطريقة لائقة ومُناسبة ـ أن أعمل لمساعدة الآخر كي يتغلّب على ضعفه وتعبه (إنجيل متّى 7: 1 - 5
).
أتى بعض اليهود للسّيّد المسيح بامرأة أُمسِكَت وهي تزني، وكانوا يُطالبون برَجمها. لم يكن دافعهم الأوّل هو إرضاء الله بقدر ما كان روح الدّينونة والبُغضة والقسوة يملأ قلوبهم. أمّا يسوع فبوداعته المعهودة سألهم قائلاً: "من كان منكم بلا خطيّة فليَرمها (المرأة) أوّلاً بحجر". وعندها انفضّ الجمع المُشتكون عليها لأنّهم رأوا ما لم يكونوا يرونه من قبل، ألا وهو أنّنا كُلُّنا خطاة نحتاج للرّحمة والغفران من الله الغفور الرّحيم. وبما أنّنا جميعنا خطاة فلا يحقّ لنا أن ندين بعضنا بعضاً. لكن هل كان الله يقصد ألّا نُقيم الحدود ونضع القوانين التي تُنظِّم الحياة والسّلوكيّات؟ لا، لم يكن هذا بالطّبع ما قصده يسوع، إنّما بدرس عملي بسيط أرانا رحمة الله وغفرانه اللّتين نحن كُلّنا في احتياج شديد لهما، ولن نتمكّن من العيش بدونهما. (يمكنك قراءة هذه القصة في إنجيل يوحنّا 8: 2 - 11
).
• كُن بَسّاماً وبشوشاً ومُريحاً
ومثل هذه الصّفات لا بدّ أنّها جاذبة لأولئك الذين يبحثون عن شخص يصادقونه ويتمتّعون بصحبته، وانفراج الوجه وتألّقه إنّما يكون انعكاساً لصفاء القلب الدّاخلي وشفافيّته. ويُحدّثنا الكتاب المُقدّس أيضاً عن تسع صفات داخليّة (وبالطّبع يكون لها انعكاس واضح على الإنسان من الخارج) توجد معاً كحبّات لؤلؤ ثمينة تزيّنت بها امرأه فأضفت عليها جمالاً أخّاذاً، وهذه الصّفات تتواجد في الإنسان الذي أسلم أمر حياته لله وجعله هو المُتحكّم فيها. وهذه التِّسع صفات هي: محبة، فرح، سلام، طول أناة، لطف، صلاح، إيمان، وداعة، تعفُّف. فياليت كلّ منّا تتزيّن حياته بهذه الصّفات المُباركة.
• دع الآخر يحسُّ بأهميّته وقدّم له الاحترام والتّقدير اللائقَين
أمرٌ كهذا يتطلّب منك أن تعمل ما بوسعك وبكلّ السُّبُل المتاحة، لتحافظ على مشاعر الطّرف الآخر الذي تتحدّث معه، وهذا يشمل أيضاً أن تُراعي أسلوبك في الحوار وفي إدارة الحديث، وأن تُدرّب نفسك ألّا تُقاطع من يُكلّمك، وأن تتعلّم أن تكون مُنصِتاً جيّداً، وأن تُقدّمه في الحديث، وتعطيه الفرصة الكاملة في التّعبير عن نفسه، وأن تُثني على كلّ أمر رائع يعمله، ... إلخ. كذلك عليك أيضاً أن تكون لك ثقافة واسعة، وتتكلّم في الموضوعات التي تلذّ للشّخص الآخر ويكون شغوفاً في الحديث عنها.
• اجعل تصرّفاتك كلّها تحكمها الوداعة والسَّكينة والرِّفق واللِّين، بدلاً من الغضب والعنف والقسوة والشِّدّة
فعندما تخطىء مثلاً، اعترف بخطئك دون مُبرّرات أو حُجَج وأَصلِح ما أخطأت فيه قولاً أو فعلاً. وإن أردت أن تُقدّم اقتراحاً ما، فقدّم اقتراحاتك بطريقة مهذَّبة ولا تتصرّف كأنّك تُصدر أوامر فَوقيّة مباشرة، فلا أحد منّا يُحبّ أن يُعامَل بمثل هذه الطّريقة، بل كن مُشجِّعاً ووَدوداً. ولو اختلفت في أمر ما مع صديقك، فحاول أن ترى الأمور من منظور الطّرف الآخر، لأنّ ذلك سيساعدك أن تتصرّف بلياقة وهدوء.
• ضع نفسك في خدمة النّاس ومُدَّ لهم يدَ المُساعدة دون أن يكون وراءها غرض أو منفعة، وكُن قريباً ووفيّاً في وقت الشّدّة والأزمات
يقولون إنّ الصّديق الحقيقي يُعرَف وقت الأزمات. وكم من أناس يوجَدون حولنا لمصلحة ما ستعود بالنَّفع عليهم لكونهم قريبين منّا، لكنّنا نجدهم بعد ذلك ـ بكلّ أسف ـ بمُجرّد أن ينتفي دافع وجودهم جوارنا ينقلبون علينا ويتخلّون عنّا. أمّا أنت فلا تكُن كذلك، بل كُن خادماً دوماً دون انتظار مقابل، ودون أيّ دافع شخصيّ سوى المحبّة. وعند وقت الشّدّة والأزمات كُن رَجُلاً يُعتَمد عليه، ففي هذا الوقت بالذّات سيكون دورك إلى جوار صديقك أعظم وأوقع وأكثر تأثيراً.
• وأخيراً، عندي لك أخبار مُفرحة!!
"المسيح هو الصّديق الأوفى والمُحبُّ الألزق من الأخ":
أنا أعرف الكثيرين الذين عرفوا المسيح وصادقوه ورافقوه المسيرة، فوجدوا فيه أعظم مُحبّ وأوفى صديق. لقد اختبرت أنا أيضاً كيف أنّ المسيح هو الشّخص الجدير بثقتي بل وبثقة كلّ إنسان يضع حياته بين يديه. هل تُراك عزيزي جرّبت المسيح كصديق؟ إنّه بحق الصّديق الذي تحلو معه العشرة، وهو أيضاً الصّديق الذي لا يخون ولا يتخلّى ولا يُعاير. إنّه يُصادقك لذاتك فهو لن يحتاج منك شيئاً، وهو يودُّ أن يُمتّعك بالبَرَكة والفرح والسّلام والسّعادة.
صديقي، ربّما تكون ما تزال تبحث عن صديق مُخلِص وأمين في هذا الزّمان ولم تجده، أو قد تكون اتّخذت لك صديقاً فغَدَر بك أو تغيّر من نحوك، أو حاول استغلالك بأيّ شكل من الأشكال، أو ربّما تكون قد بحثت عنه وقت ضيقك أو احتياجك فلم تجده إلى جوارك!.
إنّ المسيح هذا الذي أُحدّثك عنه هو الله الكامل الصّفات، الكليّ القُدرة والمعرفة والمحبّة والصّلاح من نحونا نحن البشر، وهو يتوق أن نلجأ إليه وأن نُقيم علاقة معه، وأن نتّخذه صديقاً ورفيقاً لنا طوال رحلة البريّة أثناء غُربتنا على هذه الأرض التي نحيا فيها الآن.
صدّقني إنّه ينتظرك ويتوقّع حضورك، فإن شعرت في قلبك أنّه يدعوك، فلا تُفوّت هذه الفُرصة عليك واغتنمها، فتضمن بذلك لنفسك أحلى صُحبة وأعظم وأروع صديق.
إذا كنت تريد أن تتعرّف أكثر على يسوع (أعظم صديق) حمِّل واقرأ الإنجيل الآن (من هنا)