لا يعيش المرء على وجه هذه الدُّنيا إلاّ مرّة واحدة!
لذلك، فإنّ عليه أن يكون مُطمئنّاً ومُتأكّداً من كَونه سيحصل على أكبرِ قدرٍ من
السّعادة والسّلام في أيام سِنيّ حياته، وإلاّ فبِئسَ أيّام سيعيشها!
لكنّنا نجد أنّ الكثيرين لا يعيشون حياةً سعيدة أو هادئة أو هانئة!
وهذا يكون ببساطة لأنّهم يخافون!
والبشر جميعهم يخافون، ممّ يخافون ولأيّ مدى يخافون؟ وما هي أنواع الخوف عندهم وكيف يُمكنهم أن يتغلّبوا عليه؟؟
عن مثل هذه الأسئلة تدور مقالة اليوم التي أدعو الله أن تكون مُعينة لك لتحيا الحياة الهانئة!
· لماذا نتحدّث عن الخوف؟
إنّنا نتحدّث عنه لأنّ الحقيقة الواقعة تقول، إنّ العَصر الذي نعيش فيه يمتلىء أكثر من غيره بالمخاوف والأمور الكثيرة التي تُزعج الإنسان فتُفقده سلامه وأمانه. والكثير من الأطبّاء يُقرِّون أنّ معظم مرضى المُستشفيات، وأولئك الذين يُعانون من أمراض جِسميّة، يكون سببها في الأساس ليس عُضويّا، بل يرجع لقلَقٍ أو خوفٍ أو توتُّر!.
· ما هي أسباب الخوف؟
يخاف النّاس من أمورٍ كثيرةٍ، ولأسبابٍ مُتعدّدة ومُتنوّعة. فالبعض يخاف من العيشة والأيّام، والبعض الآخر يخاف من المستقبل المجهول، وبعض ثالث يخاف من الموت، مع أنّ آخَرين كثيرون يخافون من الحياة نفسِها!.
لقد تحوّلت الحياة كلّها إلى سلسلةٍ من المخاوف والمُنغّصات، مِن كلّ شيء ولأجل كلّ شيء، فالإنسان نجده بكلّ أسف في عصرنا هذا ـ أكثر من أيّ عصر مضى ـ قد فَقدَ سلامه وأمنه واتّزانه، كما أنّه قد صار عبداً لأشكالٍ وأنواعٍ مُتعدّدة من المخاوف والمُنغّصات!.
· كيف يُعبِّر الخوف عن نفسه في حياة الإنسان؟
ينعكس خوف الإنسان عليه ـ كما ذكرنا سابقاً ـ بأعراضٍ جسميّة ماديّة واضحة لا تُخطئها العين، (ليس بالضّرورة أن تحدث كلّها، لكن غالبيّتها يُمكن مُلاحظته، ويتوقّف الأمر على قوّة الإنسان وتركيبته النّفسيّة، لذلك فهي تختلف مِن شخص لآخر)، ويذكُر الأستاذ الدّكتور "عادل صادق" أخصّائي الطّب النّفسي الشّهير، أنّ الخوف يُمكن أن ينعكس على صحّة الإنسان ببعض الأعراض ومنها:
- الإحساس بتزايد أو اضطراب ضربات القلب.
ـ ضيق في التّنفّس.
- آلام في الصَّدر.
- صعوبة في البَلع وكأنّ شيئاً يسدّ البلعوم.
- دوخة .. دوار .. عدم اتّزان أثناء السَّير.
- الإحساس بالاندهاش والاستغراب لكلّ شيء حول الشّخص الخائف وكأنّه يحلم أو كأنّه مُنفصِل عن الواقع.
- سُخونة أو برودة في كلّ الجسد.
- عَرَق غزير.
- إغماء.
- ارتعاش في كلّ الأطراف.
ـ الخوف من الموت، أو يشعر أنّه على وشك أن يفقد عقله أو أنّه سيُقدِم على فِعل شيء لا يستطيع التّحكُّم فيه.
هذه الحالات قد تستمرّ لدقائق أو لساعات، وقد تعاوده مِن وقتٍ لآخَر .. وقد تظلّ مُلازِمة له شهوراً .. وهو أمرٌ مُضنٍ ومُرهِق يُفسِد حياته وأوقاته ويُزعِج مَن حوله الذين يجدون أنفسهم في حيرة من أمرهم. كيف يساعدونه؟ كيف يُطمئنونه؟ فتكون النّتيجة أن يشعروا هم أنفسهم أيضاً بالعَجز، إذ قد لا يجدون شيئاً يُفلِح في التّخفيف من حِدّة الحالة أو إزالتها.
· هل يُمكن أن يتحوّل الخوف العادي إلى خوف مَرَضيّ؟
يقول المُتخصّصون نعم، يُمكن أن يحدُث ذلك أحياناً، ووقتها يكون هؤلاء المرضى بحاجة شديدة للمُساعدة من الآخَرين.
· كيف يُمكنني أن أساعد من يُعانون من الخوف المَرَضِيّ؟
يقول د. عادل صادق:
..... إنّ مريض الخوف يحتاج إلى من يُصدّقه .. يحتاج إلى من يُقدّر أنّه عاجز فعلاً عن التّحكُّم في مخاوفه. مريض الخوف هو ذاته يعرف أنّ مخاوفه لا أساس لها، ولكنّه لا يستطيع أن يكُفّ عن الخوف الذي يصل إلى حَدِّ الرُّعب أحياناً!.
إنّه يحتاج إلى من يُطمئِنه ويُهدِّئه بلا كَلَل .. يحتاج إلى من يُسانده في رحلة العلاج ......
ولكن لا بُدَّ من مُساهمة الأهل وصبرهم وعدم ضغطهم على الشّخص الخائف (ومَن منّا لا يخاف!! ومَن منّا لا يشعر بالقلق أحياناً وبدون سبب .. ومَن منّا لا يهاجمه الوسواس أحياناً بشأن مُستقبله، أو بشأن صحّته أو بشأن أشياء أُخرى قد تكون تافهة!! مَن منّا لا تُطارده أحياناً الأفكار السّوداء التّشاؤميّة حتّى تستهلِك جُزءاً من وقته وأعصابه ..). إنّ الخوف الذي يشعر به كلّ إنسان ـ إنْ لم يَتمّ التّعامُل معه بحِرص ومَعونة ـ قد ينقلب إلى مرض .. مرض يُسبِّب عذاباً ويحتاج إلى علاج ومُسانَدة إنسانيّة . "بتصرُّف، من كتاب إعرف نفسَك ط2 / 1997، للمؤلِّف المذكور ".
· هل يكون لِزاماً علينا أن نحيا أيّامنا كلّها عبيداً للخوف؟
الإجابة هي بالطَّبع لا، فالله الصّالح يُحبُّنا ويهتمُّ بنا، وهو يودُّ أن يُحرّرنا من كلّ ضعف أو خوف أو عَجز بحياتنا. كذلك، فإنّ كلّ مُسبِّبات الخوف لدينا يُمكننا التخلُّص منها بدراستها وبالتّعامُل معها بقوّة وحَسْم، بشرط وجود قوّة ومَعونة الله ـ صاحب كلّ قدرة ونعمة وسُلطان ـ إلى جِوارنا وفي صفّنا. تلك القوّة التي بها يُمكننا عبور أصعب الأزمات بثَبات ورباطة جأش، وبدونها، ومهما كُنّا نتمتّع بشخصيّة مُتميّزة، سننهار عند قيام الظّروف والأهوال ضدّنا. يقول الوحي المُقدّس في المزمور 46: 1 - 3
. كما يقول نبيّ الله داود أيضاً في المزمور 127
.
· كيف يراني الله وأنا خائف؟
إنْ كان أيُّ أبٍ بشريّ أرضيّ لا يُسَرُّ أبداً إن لاحَظ علامات التَّعب أو الخوف أو الانزعاج بادِية على ابنه، وإنْ كُنّا كآباء أرضيّين نعرف كيف نهتمُّ بأولادنا ونُقدّرهم أفضل تقدير، فإن الله أبونا السَّماوي وفادي نفوسنا ومُخلِّصها مِن كلّ تعَب وشَرّ، هو الأقدَر والأجدَر بحمايتنا وإنقاذنا من كلّ خطر وخوف يُحدِق بنا ويُحيط بنا ويُدمِّر حياتنا. هذا فقط إنْ تعلَّمنا أن نأتي له ونحتمي بظِلِّه عندما تأتي الأخطار علينا.
· ماذا أعمل تجاه خوفي؟ كيف يُمكنني أن أتغلّب على الخوف؟
ـ صارِح نفسَك بخوفك إنْ كان موجوداً، ولا تهرب منه أو تَكْبُتَه. فهو شعورٌ إنسانيّ نَفْسِيّ وطبيعي، وليس عَيباً أو ضعفاً أنْ تشعر بالخوف أحياناً.
ـ أُدرُس بهدوءٍ وتَروٍّ أسباب الخوف لديك، وكيف يُمكنك مواجَهتها والتّغلُّب عليها.
ـ أُطلُب مُساعدة صديق أو مُتخصِّص إن لَزِمَ الأمر، فهذا أنفع كثيراً لك!. استَعِنْ بمُشير مُتخصِّص أو صديق مَحَلَّ ثقة يُمكنك أن تُشاركه بخوفك وبمُشكلتك، وتَسعَيان معاً لمُعالجتها والتّغلُّب عليها.
ـ ثِقْ أنّ الله القدير في صفّك، وهو يُحبّك ويودُّ أن يُساعدك، وهو تعالى القادر على مُساعدتك إن أتيتَ له بمُشكلتك، لذا اتّكل عليه وثِق في نعمته وبَرَكته.
ـ شارِك الله أيضاً وباستمرار بكلّ متاعبك وضيقاتك، أوّلاً بأوّل. لا تجعل الضِّيقات أو المخاوف تتراكَم عليك، اتّخِذ من الله صديقاً لك وتمتّع برِفقته ومَعيَّته ....
عزيزي القارىء،
إنْ كانت لديك مخاوِف أو مُنغِّصات تُؤرِّقك وتقف حائِلاً في طريق سعادتك وسلامك، وإنْ كُنتَ تودُّ أن تُشاركني بها لنصلّي معاً لأجلها ونُفكّر سويّاً بحلِّها، فاكتُبها وثِقْ أنّني أُرحِّب دوماً بمُساعدتك. دُعائي لله القدير أن يحفظك هانِئاً وسعيداً كلّ الأيّام.
إذا كان لديك عزيزي القارىء أيّة مشكلة تحبّ أن تشاركنا بها، وتحبّ أن نصلّي لأجلك .. اتّصل بنا