المعونة السّادسة ـ كُنْ فهيماً
1 ملوك 3: 9 "فأعطِ عبدك قلباً فهيماً لأحكم على شعبك وأُميِّز بين الخير والشّرّ". |
|
في 1 ملوك 3: 5 تراءى الرّبّ لـ"سليمان" في حلم ليلاً في جبعون وقال له: "اسأل ماذا أعطيك". كثيراً ما نخطىء فنعتقد أنّ "سليمان" ردّ وطلب حكمةً، بينما في واقع الأمر طلب قلباً فهيماً. وهذا كان له قيمة في نظر الله أعلى ممّا لو كان طلب صحّة (عُمر طويل) أو غنى (ثروات جزيلة). أكثر شيء يحتاج إيّاه المسافر هو الفهم والتّمييز لضمان سير الرّحلة. ورغم ذلك قد يتمّ الخلط أحياناً بين الفهم وبين المشاعر والأحاسيس. كثيراً ما نسمع هذه الجملة "هذا الأمر لا أشعر أنّه صحيح"، ونعتبرهذا نوعاً من الفهم. تعتمد هذه الطّريقة على المشاعر والأحاسيس، لكن الفهم الكتابي الصّحيح هو فحص مصدر الحقّ، أي المسيح نفسه (يوحنّا 14: 6)، والتّحقُّق منه بتدقيق. معونة الفهم والتّمييز تتطلّب حياة منضبطة وذهن متجدِّد. لا يمكن اختيارها بطريقة عشوائيّة أو ممارستها بدون تدريب روحي أمين. من الضّروري أن نتذكّر ـ ونحن نبدأ استكشاف معنى الفهم والتّمييز ـ كيف يرتبط بالسّياق الأكبر للتّشكيل الرّوحي والنّموّ في التّلمذة. كلمة "يميّز" بجميع استخداماتها في العهد الجديد ـ هي ترجمة للكلمة اليونانيّة anakrino وتعني "يُفرز أو يفصل عن طريق البحث والفحص باجتهاد". وهكذا القداسة فهي تُفرز المسافر لأهداف الملكوت، لذا نجد أنّ الفهم يمتحن ويختبر إرادة الله الكاملة. وفي هذا الإطار يشرح رومية 12: 2 الخطوات التي تقود إلى القلب الفهيم، وإلى إرادة الله التي اختبرها المرء (ولا تُشاكِلوا هذا الدّهر. بل تغيّروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم لتختبروا ما هي إرادة الله). أولاً، هناك دعوة إلى حياة جديدة، إلى الانفصال عن أشكال العالم. لقد تكلّمنا عن هذه المعونة في الفصل السّابق "كونوا قدّيسين". ثانياً، على المسافر أن يتجدّد أو يتغيّر. الكلمة التي تُعبِّر عن تغيُّر هيئة المسيح في متّى 17: 2 هي الكلمة المستخدمة نفسها في رومية 12: 2، حين اكتسى الرّبّ يسوع بمجد سماوي ممّا جعل وجهه يضيء كالشّمس. استُخدمت الكلمة نفسها أيضاً في 2 كورنثوس 3: 18 حيث قيل لنا أن نتغيّر إلى تلك الصّورة عينها من مجد إلى مجد. لذا يصبح التّقديس والتّغيير واجباً إلزاميّاً لا اختياراً. فالفهم والتّجديد والقداسة أمور لا تنفصل عن بعضها البعض. لكن المسافر يحتاج إلى أكثر من الانفصال والتّقديس والقداسة والتّغيير لكي يختبر ويعرف إرادة الله الكاملة. بالإضافة إلى معونة الفهم والتّمييز لا بدّ للمسافر أن يتغيّر، ليس فقط في جوهر قلبه بل أيضاً في محتوى فكره. التّقديس والتّغيُّر إلى شبه صورة المسيح بالانفصال عن العالم يعتمد بدرجة كبيرة على التّفرقة لا بين الجيّد والسّيّء، فقط بل أيضاً بين الجيّد والصّالح وبين الصّالح والأفضل. هذا الأمر الذي يرتبط بالقداسة بالإضافة إلى الحكمة يدفع المسافر إلى سلوك جديد وفقاً لمبادىء جديدة وقواعد جديدة. يرتبط المسافر النّاضج الآن بالله على عدّة مستويات من الشّركة الشّخصيّة. فقد اكتشف أنّ الفهم في حدّ ذاته هو عَيش الحياة التي يريدها الله، مع البحث المستمرّ عن إرادة الله ووجود المسيح ومراحم الرّوح القدس في كلّ الأوقات وفي جميع جوانب الحياة. لا يتعلّق الحصول على هذه المعونة بمسألة البقاء على قيد الحياة فقط، بل هي معونة ترشد المسافر وتساعده على نموّ روحي متواصل. الفهم أو التّمييز الصّحيح هو أن نجعل حياتنا متماشية مع المقاصد الإلهيّة. |
|
زيارة المؤمنين في بوتان البوذيّة موضوع يبعث دائماً السّرور في القلب. عندما تواجه الحقائق الدّفينة لهذا العالم الرّوحاني، لا بدّ أن تتوقّع المفاجآت وتكون مستعدّاً لمواجهة المعجزات والخرافات. الصّعوبة تكمن فقط في القدرة على التّمييز بين الاثنين والثّقة في الرّبّ حين تصلّي طَلَباً للحكمة. بعد اجتماع الأحد الصّباحي المنعقد سرّاً خلف الأبواب المغلقة والسّتائر المنسدلة، اقترب منّا رَجُلٌ مسنّ ومعه طلبة خاصة كي نضعها في الصّلاة. قال: "صلّوا من فضلكم لتحرير روحي. لقد كنت بوذيّاً طوال أيّام حياتي وأشعر أنّ صلواتي تحت هجوم مستمرّ. حين أريد أن أصلّي كلّ صباح تجعلني الأرواح الشّرّيرة أنعس وأنام ولا أستطيع البقاء مُتيقّظاً". نظرت إلى القسّ. لا أشكّ أبداً أنّه قد يكون هناك بعض القيود الرّوحيّة في حياة هذا الرَّجُل، لكن بعدما أكّد لي القسّ أنّهم صلّوا من أجله كثيراً وأنّه تحرّر بالكامل أدركت أنّ الحكمة التي يحتاجها ذلك الرَّجُل تكمن في المجال العملي لا في عالم الظّواهر غير الطّبيعيّة. فنصحه القسّ قائلاً: "حين تصلّي المرّة القادمة قِف على رِجليك. من الصّعب أن تنعس وأنت واقف". تركَنا الرَّجُل شاكراً لأنّها كانت نصيحة مناسبة للغاية. |
|
"التّمييز أو الفهم هو دعوة الله إلى الشّفاعة لا إلى إيجاد العيوب" كوري تن بوم |
|
يا ربّ، أنت وحدك تعرف احتياجاتي الحقيقيّة. ساعدني أن أُميّز بين احتياجاتي الحقيقيّة ورغباتي الشّخصيّة. أُقدّم نفسي ذبيحة لك واضعاً كلّ ثقتي فيك. لا أريد إلاّ عمل مشيئتك. |